فصل: إلقاء السّلام على من يظنّ أنّه لا يردّ السّلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سُكُوت

التّعريف

1 - السّكوت خلاف النّطق، وهما مصدران‏.‏ يقال‏:‏ سكت الصّائت سكوتاً إذا صمت‏.‏ والاسم السَّكتة والسُّكتة‏.‏ يقول الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ السّكوت مختصّ بترك الكلام‏.‏

ورجل سِكِّيت كثير السّكوت‏.‏ وفي النّهاية لابن الأثير‏:‏ تكلّم الرّجل، ثمّ سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه، فلم يتكلّم قيل‏:‏ أسكت‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّمت‏:‏

2 - الصّمت هو السّكوت مطلقاً، سواء أكان قادراً على الكلام أم لا‏.‏ وجاء في المغرب أنّ الصّمت هو السّكوت الطّويل‏.‏ ومثله ما نقله ابن عابدين عن النّهر حيث قال‏:‏ السّكوت ضمّ الشّفتين، فإن طال يسمّى صمتاً‏.‏

وفي الحديث‏:‏ قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم «لا صمات يوم إلى اللّيل»‏.‏

ب - الإنصات‏:‏

3 - الإنصات هو السّكوت للاستماع، يقال‏:‏ أنصت إذا سكت سكوت مستمع‏.‏

وأنصته إذ أسكته، فهو لازم ومتعدّ‏.‏ يقول القرطبيّ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ‏}‏ الإنصات هو السّكوت للاستماع والإصغاء والمراعاة‏.‏

وعلى ذلك فهو أخصّ من السّكوت‏.‏

حكم السّكوت

4 - تعرّض الفقهاء والأصوليّون لحكم السّكوت في مختلف المسائل‏:‏ وفيما يلي نذكر أحكامه عند الفقهاء، بادئين بالحكم التّكليفيّ، ثمّ حكم السّكوت، وأثره في المعاملات والعقود والدّعاوى والبيّنات وغيرها، ثمّ نبيّن ما ذكره الأصوليّون إجمالاً مع التّعرّض لحكم الإجماع السّكوتيّ‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - السّكوت مباح غالباً، وتعتريه الأحكام التّكليفيّة الأخرى حسب الأحوال، وقد تعرّض الفقهاء لحكم السّكوت التّكليفيّ في مسائل منها‏:‏

سكوت المقتدى

6 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب السّكوت على المقتدى عند القراءة مطلقاً، فيستمع إذا جهر الإمام، وينصت إذا أسرّ‏.‏ فإن قرأ كره تحريماً، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ‏}‏ وأكثر المفسّرين على أنّ الآية نزلت في شأن الصّلاة، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ «كنّا نقرأ خلف الإمام فنزل ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ‏}‏» قال ابن عابدين نقلاً عن البحر‏:‏ المطلوب بالآية أمران‏:‏ الاستماع والسّكوت فيعمل بكلّ منهما‏.‏ والأوّل يخصّ الجهريّة، والثّاني لا، فيجرى على إطلاقه، فيجب السّكوت عند القراءة مطلقاً‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال الكاسانيّ‏:‏ الاستماع وإن لم يكن ممكناً عند المخافتة بالقراءة فالإنصات ممكن عند المخافتة بالقراءة، فيجب بظاهر النّصّ‏.‏

وقد ورد في حديث مشهور‏:‏ «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به فلا تختلفوا عليه‏.‏ فإذا كبّر فكبّروا، وإذا قرأ فأنصتوا»‏.‏ وفي حديث آخر‏:‏ «من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له»‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ لا تجب على المقتدي القراءة، سواء أكانت الصّلاة جهريّةً أم سريّةً، لكنّهم قالوا باستحباب القراءة فيما لا يجهر فيه‏.‏

كما أنّ الحنابلة قالوا باستحبابها للمقتدي في الجهريّة عند سكتات الإمام‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ يجب على المقتدي قراءة فاتحة الكتاب في الصّلاة السّرّيّة قولاً واحداً، لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبادة بن الصّامت «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»‏.‏

أمّا فيما يجهر فيها ففيه قولان‏:‏ القديم أنّه لا يقرأ، بل ينصت، وذلك للآية والأحاديث الواردة في ذلك‏.‏ وفي الجديد‏:‏ تتعيّن قراءة الفاتحة، حفظاً أو نظراً في مصحف، أو تلقيناً، في كلّ ركعة، لكلّ من الإمام والمنفرد والمقتدي، سريّةً كانت الصّلاة أو جهريّةً، وذلك لما رواه الشّيخان من قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب»‏.‏ وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏قراءة‏)‏‏.‏

السّكوت لاستماع الخطبة

7 - ذهب جمهور الفقهاء‏:‏ ‏"‏ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة والشّافعيّ في القديم ‏"‏ إلى أنّ السّكوت والإنصات لاستماع الخطبة واجب، فيحرم الكلام، إلاّ للخطيب، أو لمن يكلّمه الخطيب، وذلك لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ‏}‏‏.‏

ولما ورد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏

«إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت ‏.‏

واستثنوا من ذلك تحذير من خيف هلاكه، لأنّه يجب لحقّ آدميّ، وهو محتاج إليه، والإنصات لحقّ اللّه تعالى، ومبناه على المسامحة‏.‏

وأجاز بعضهم قليل الذّكر سرّاً، كالتّسبيح والتّهليل والصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولا بأس بأن يشير برأسه، أو يده عند رؤيته منكراً‏.‏

وقيّد الحنابلة وجوب السّكوت بما إذا كان الإمام قريباً، بحيث يسمعه، لأنّ وجوب الإنصات للاستماع، والبعيد ليس بمستمع‏.‏

أمّا الحنفيّة فقالوا بوجوب السّكوت حين الخطبة، بلا فرق بين قريب وبعيد، في الأصحّ‏.‏ وقال الشّافعيّة في الجديد‏:‏ لا يجب الإنصات، ولا يحرم الكلام حين الخطبة، لما صحّ «أنّ أعرابيّاً قال للنّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ هلك المال وجاع العيال فادع لنا‏.‏ فرفع يديه ودعا وسأله رجل عن موعد السّاعة، فأومأ النّاس إليه بالسّكوت، فلم يقبل، وأعاد الكلام، ولم ينكر عليهما»‏.‏

والأمر في الآية للنّدب، فيسنّ السّكوت والإنصات، ويكره الكلام وذلك جمعاً بين الأدلّة‏.‏

سكتات الإمام

8 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يستحبّ للإمام أن يسكت بعد قراءة الفاتحة والتّأمين قدر قراءة المأموم الفاتحة‏.‏

وذلك في الصّلاة الجهريّة، ليتمكّن المأموم من قراءة الفاتحة مع الإنصات لقراءة الإمام‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ يستحبّ للإمام حينئذ أن يشتغل بالذّكر أو الدّعاء أو القراءة سرّاً، لأنّ الصّلاة ليس فيها سكوت حقيقيّ للإمام‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ السّكتات المندوبة في الصّلاة أربع‏:‏ سكتة بعد تكبيرة الإحرام يفتتح فيها، وسكتة بين ولا الضّالّين، وآمين، وسكتة للإمام بعد التّأمين في الجهريّة بقدر قراءة الفاتحة، وسكتة قبل تكبير الرّكوع‏.‏

وجاء في المغني‏:‏ قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن‏:‏ للإمام سكتتان، فاغتنموا فيهما القراءة بفاتحة الكتاب، إذا دخل في الصّلاة، وإذا قال‏:‏ ‏{‏وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏.‏

وقال عروة بن الزّبير‏:‏ أمّا أنا فأغتنم من الإمام اثنتين‏:‏ إذا قال‏:‏ ‏{‏غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ‏}‏ فأقرأ عندها، وحين يختم السّورة، فأقرأ قبل أن يركع‏.‏

ولا يقول باستحباب هذه السّكتات الحنفيّة والمالكيّة‏.‏

وتفصيل هذه المسائل في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة، وقراءة‏)‏‏.‏

السّكوت عند رؤية المنكر

9 - الأمر بالمعروف - أي ما عرف من طاعة اللّه والتّقرّب إليه والإحسان إلى النّاس - والنّهي عن المنكر، وهو ما فيه غضب اللّه من قول أو فعل‏:‏ أصل من أصول الدّين كما يقول الغزاليّ، وهو واجب في الجملة، وحكى النّوويّ وابن حزم الإجماع على ذلك‏.‏ فالسّكوت عند رؤية ارتكاب المنكر المتّفق على تحريمه حرام، والنّهي عنه واجب، وذلك حين توفّر شروطه والمراتب والوسائل المذكورة في حديث أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ «من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» وهذا في الجملة‏.‏

وفي بيان شروطه وأركانه ومراتبه، والوسائل الّتي يجب أو يستحبّ اتّخاذها في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وهل هو فرض عين أو كفاية تفصيل وخلاف ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، ف 3 - 5، ج 6 / 248 - 250‏)‏‏.‏

السّكوت عن أداء الشّهادة

10 - تحمّل الشّهادة وأداؤها فرض كفاية، فيجب أداؤها في حقوق العباد بالطّلب إن لم يوجد غيره‏.‏ وهذا إذا علم الشّاهد بقبول شهادته، وكان القاضي عادلاً، ويكون المكان قريباً، ولا يعلم بطلان الشّهود به، ولا يعلم أنّ المقرّ أقرّ خوفاً‏.‏

فإذا وجدت هذه الشّروط يجب على الشّاهد أن يشهد، فيحرم عليه السّكوت، لأنّ في سكوته تضييعاً للحقّ وهو محرّم، قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ‏}‏ وهذا في حقوق العباد‏.‏

أمّا في حقوق اللّه تعالى، كالطّلاق والعتق والوقف والرّضاع فيجب الأداء حسبةً بلا طلب‏.‏ إلاّ أنّهم قالوا‏:‏ يخيّر في الحدود، وسترها في بعض الحدود أبرّ، فالأولى فيها الكتمان إلاّ لمتهتّك ومن اشتهر بالفسق والمعاصي‏.‏

هكذا ذكره الحنفيّة ومثله ما ذكره فقهاء المذاهب الأخرى، مع تفصيل في بعض الشّروط، وخلاف في بعض الفروع‏.‏ وينظر تفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏شهادة‏)‏‏.‏

حكم السّكوت في المعاملات والعقود

11 - المعاملات والعقود أساسها الرّضا الّذي يتحقّق غالباً بالإيجاب والقبول القوليّ‏.‏ والأصل أنّ السّكوت لا يعتبر رضاً فالقاعدة الفقهيّة تقول‏:‏ ‏"‏ لا ينسب إلى ساكت قول ‏"‏ ولهذه القاعدة فروع كثيرة‏.‏ منها ما ذكره ابن نجيم والسّيوطيّ في أشباههما من أنّ الثّيّب لو سكتت عند الاستئذان في النّكاح لم يقم مقام الإذن‏.‏ ولو رأى أجنبيّاً يبيع ماله، فسكت، ولم ينهه عن البيع لم يكن وكيلاً بسكوت الموكّل، ولو سكت عن قطع عضو منه، أو إتلاف شيء من ماله مع القدرة على المنع لم يسقط ضمانه، ولو تزوّجت غير كفء فسكوت الوليّ عن مطالبة التّفريق ليس برضاً ما لم تلد‏.‏

وسيأتي تفصيل بعض هذه الفروع ونظائرها فيما بعد مع الأدلّة‏.‏ هذا هو الأصل‏.‏

لكن قد يتحقّق الرّضا بالفعل والتّعاطي، أو القول من طرف والفعل من طرف آخر، أو القول من جانب والسّكوت من جانب آخر يدلّ على الرّضا، كما فصّل في مصطلح ‏(‏عقد‏)‏‏.‏

وقد ذكر الفقهاء أمثلةً لما يدلّ السّكوت فيها على الرّضا والإذن وفقاً لقاعدة‏:‏ إنّ السّكوت في معرض الحاجة بيان، كما ذكروا أمثلةً لما لا يدلّ فيه السّكوت على الرّضا بناءً على الأصل‏.‏

وفيما يلي نذكر أهمّ هذه المسائل بالتّفصيل‏:‏

أ - سكوت المالك عند تصرّف الفضوليّ‏:‏

12 - إذا تصرّف الفضوليّ في ملك الغير ببيع في حضور المالك، فسكت في حال كونه أهلاً للتّصرّف، ولم يمنعه من البيع، فهل يعتبر سكوته رضاً وإذناً بالبيع‏؟‏‏.‏

اختلف الفقهاء في ذلك‏:‏ فقال الحنفيّة‏:‏ لا يعتبر هذا السّكوت إذناً ولا يلزم به البيع، وذلك لقاعدة‏:‏ لا ينسب إلى ساكت قول‏.‏

وعلى ذلك فيكون البيع صحيحاً، لكنّه موقوف على إجازة المالك الصّريحة‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن بيع ماله بحضرته وهو ساكت لزمه البيع، ولا يعذر بسكوته إذا ادّعاه‏.‏ فإن مضى عام وهو ساكت سقط حقّه في الثّمن أيضاً‏.‏

أمّا الشّافعيّة والحنابلة فلا يصحّ عندهم بيع الفضوليّ أصلاً، وهو المنصوص عليه في الجديد عند الشّافعيّة والمذهب عند الحنابلة‏.‏

قال الشّافعيّة‏:‏ ولو باع مال غيره بحضرته وهو ساكت لم يصحّ قطعاً ومثله ما عند الحنابلة، قال البهوتيّ‏:‏ إن باع ملك غيره بغير إذنه ولو بحضرته وسكوته لم يصحّ البيع ولو أجازه بعد ذلك، لفوات شرطه، أي الملك والإذن‏.‏

أمّا شراء الفضوليّ ففيه تفصيل وخلاف ينظر في مصطلح‏:‏ ‏(‏فضوليّ‏)‏‏.‏

ب - سكوت الوليّ عند بيع أو شراء من تحت ولايته‏:‏

13 - إذا رأى الوليّ مولّيه يبيع ويشتري فسكت، ولم يمنعه من التّصرّف يعتبر سكوته رضاً وإذناً في التّجارة عند الحنفيّة، وهو قول عند المالكيّة‏.‏ قال الموصليّ‏:‏ لأنّ سكوته عن هذه التّصرّفات دليل رضاً، كسكوت الشّفيع عند تصرّف المشتري في المبيع، لأنّ النّاس إذا رأوه يتصرّف هذه التّصرّفات، والوليّ ساكت، يعتقدون رضاه بذلك، وإلاّ لمنعه، فيعاملونه معاملة المأذون‏.‏ فلو لم يعتبر سكوته رضاً يفضي ذلك إلى الإضرار بهم‏.‏

وقال الشّافعيّة والحنابلة وهو قول آخر للمالكيّة‏:‏ السّكوت في هذه الحالة لا يعتبر رضاً، لأنّه يحتمل الرّضا والسّخط، فلا يصلح أن يكون دليلاً للإذن عند الاحتمال‏.‏

واستثنى الحنفيّة من أصل المسألة سكوت القاضي فقالوا‏:‏ إذا رأى القاضي الصّبيّ أو المعتوه يبيع ويشتري، فسكت، لا يكون سكوته إذناً في التّجارة، لأنّه لا حقّ له في مال الغير حتّى يكون الإذن إسقاطاً لحقّه‏.‏

ج - سكوت الشّفيع‏:‏

14 - سكوت الشّفيع عن طلب الشّفعة بعد علمه بالبيع والثّمن يعتبر رضاً بالعقد وإقراراً بالتّنازل عن الشّفعة، فيسقط حقّه عن طلب الشّفعة عند جمهور الفقهاء‏:‏ ‏"‏ الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة ‏"‏‏.‏

فقد نصّ الحنفيّة على أنّه يلزم الشّفيع أن يقول كلاماً يدلّ على طلب الشّفعة في المجلس الّذي سمع فيه عقد البيع في الحال، ثمّ يطلب طلب التّقرير والإشهاد، فإن سكت وأخّر الطّلب يسقط حقّ شفعته‏.‏

ومثله ما عند الشّافعيّة والحنابلة، قال الخطيب‏:‏ الأظهر أنّ الشّفعة على الفور، لأنّها حقّ ثبت لدفع الضّرر، فكان على الفور كردّ المبيع، وإذا كان مريضاً أو غائباً أو خائفاً من عدوّ فليوكّل إن قدر، وإلاّ فليشهد على الطّلب‏.‏ وإلاّ بطل حقّه في الأظهر لتقصيره، ولإشعار السّكوت - مع التّمكّن من الإشهاد - بالرّضا‏.‏

وقال البهوتيّ‏:‏ إن اشتغل بعد العلم بالبيع بكلام آخر، أو سلّم على المشتري، ثمّ سكت لغير حاجة بطلت شفعته‏.‏

أمّا المالكيّة فلا يشترط عندهم الطّلب فوراً، لكنّهم قالوا‏:‏ إن سكت الشّفيع، مع علمه بهدم أو بناء في الأرض من قبل المشتري، ولو لإصلاح، أو سكت بلا مانع شهرين، إن حضر العقد تسقط الشّفعة‏.‏ وإلاّ فتسقط بحضوره ساكتاً بلا عذر سنةً‏.‏

فإذا مضت السّنة، وهو حاضر في البلد ساكت بلا مانع فلا شفعة له‏.‏

د - السّكوت في الوديعة والعاريّة‏:‏

15 - ذكر الفقهاء أنّ الوديعة كما تنعقد بالإيجاب والقبول صراحةً تنعقد كذلك بالإيجاب والقبول دلالةً‏.‏ فإذا وضع رجل ماله في دكّان مثلاً، فرآه صاحب الدّكّان وسكت، ثمّ ترك الرّجل ذلك المال، وانصرف صار ذلك المال عند صاحب الدّكّان وديعةً، لأنّ سكوت صاحب الدّكّان حين وضع المال يدلّ على قبول حفظه، وعلى ذلك فإذا فرّط في حفظه يكون ضامناً كما هو الحكم في سائر الأمانات‏.‏

أمّا السّكوت في العاريّة فلا يعتبر رضاً وإذناً من المعير عند الحنفيّة، فلو طلب شخص من آخر إعارة شيء، فسكت صاحب ذلك الشّيء ثمّ أخذه المستعير كان غاصباً‏.‏

وهذا هو الأصحّ عند الشّافعيّة أيضاً حيث قالوا‏:‏ الأصحّ في النّاطق اشتراط لفظ يشعر بالإذن أو بطلبه، كأعرتك هذا ونحوه،‏.‏‏.‏ وفي مقابل الأصحّ لا يشترط اللّفظ‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلحي‏:‏ ‏(‏وديعة، عاريّة‏)‏‏.‏

هـ - الصّلح على السّكوت‏:‏

16 - الصّلح قطع المنازعة، وهو انتقال عن حقّ أو دعوى بعوض لرفع نزاع، أو خوف وقوعه، كما عرّفه المالكيّة، أو عقد يرفع النّزاع بالتّراضي، كما قال الحنفيّة‏.‏

وقد قسّمه الفقهاء إلى ثلاثة أقسام‏:‏ الصّلح عن إقرار، والصّلح عن إنكار والصّلح عن سكوت، بأن يسكت المدّعى عليه عن إجابة دعوى المدّعي فيصالحه بدفع شيء على أن يترك المدّعي الدّعوى‏.‏

وحكم الصّلح على السّكوت عند الشّافعيّة والحنابلة هو حكم الصّلح على الإنكار‏.‏

قال البهوتيّ‏:‏ إن ادّعى عيناً في يده أو ديناً في ذمّته، فينكره المدّعى عليه، أو يسكت وهو يجهله، ثمّ يصالح على مال يصحّ الصّلح، ويكون المال المصالح به بيعاً في حقّ المدّعي وإبراءً في حقّ المنكر‏.‏

ونظيره ما قاله الحنفيّة حيث نصّوا‏:‏ بأنّ الصّلح على الإنكار أو السّكوت هو في حقّ المدّعي معاوضة، وفي حقّ المدّعى عليه خلاص من اليمين وقطع للمنازعة‏.‏

أمّا الرّاجح عند المالكيّة فحكم السّكوت في الصّلح حكم الإقرار، فيعتبر فيه حكم المعاوضة وتجري فيه الصّور الّتي تجري في الإقرار، من بيع أو إجارة أو هبة‏.‏

وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلح‏)‏‏.‏

سكوت المرأة عند استئذانها للنّكاح

17 - اتّفق الفقهاء على أنّ سكوت البكر عند استئذانها للنّكاح يعتبر رضاً وإذناً، وذلك لما ورد في الحديث أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏«استأمروا النّساء في أبضاعهنّ، قيل‏:‏ إنّ البكر تستحي وتسكت، قال‏:‏ هو إذنها»‏.‏ وفي رواية‏:‏ «البكر رضاها صماتها»‏.‏ وأكثر الفقهاء على أنّها إن بكت بغير صوت أو ضحكت فهو بمنزلة سكوتها‏.‏

لكن الشّافعيّة قالوا‏:‏ سكوت البكر في النّكاح إذن للأب والجدّ قطعاً، أمّا لسائر العصبة والحاكم فقولان‏:‏ الأصحّ أنّه إذن، ومقابل الأصحّ لا بدّ من الكلام كالثّيّب‏.‏

أمّا الثّيّب فسكوتها عند الاستئذان في النّكاح لا يعتبر إذناً عند جميع الفقهاء، بل لا بدّ من الإذن الصّريح بالكلام‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ لا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أنّ إذنها الكلام، لخبر‏:‏ «الثّيّب تعرب عن نفسها»‏.‏ ا هـ‏.‏

ولأنّ السّكوت إنّما جعل إذناً في البكر، لمكان الحياء المانع من النّطق المختصّ بالأبكار، لأنّ الحياء يكون فيهنّ أكثر، فلا يقاس عليه الثّيّب، كما قال الموصليّ‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏نكاح، واستئذان‏)‏‏.‏

سكوت الزّوج عند ولادة المرأة

18 - ذكر الفقهاء في بحث اللّعان أنّه لو نفى الولد في مدّة التّهنئة، أو عند شراء آلة الولادة كالمهد ونحوه صحّ نفيه‏.‏ أمّا بعد التّهنئة أو بعد مضيّ مدّتها فلا يصحّ، لأنّ سكوته في تلك المدّة دليل على رضاه وإقرار على النّسب، فلا يصحّ نفيه بعد ذلك‏.‏

واختلفوا في مدّة التّهنئة‏:‏ فعند بعض الحنفيّة ثلاثة أيّام، وعند بعضهم سبعة أيّام وبعضهم قدّرها بمدّة النّفاس‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ لو أخّر الزّوج نفي الحمل يوماً بعد علمه بالوضع، أو الحمل بلا عذر امتنع لعانه، ولحق به الولد‏.‏

ومثله ما عند الشّافعيّة في الأظهر، حيث قالوا‏:‏ يشترط النّفي على الفور، فلو سكت مدّةً مع إمكان الرّدّ يعتبر سكوته رضاً وإقراراً، كحقّ الرّدّ بالعيب وخيار الشّفعة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من سمع إنساناً يقرّ بنسب، وسكت المقرّ له جاز للسّامع أن يشهد له به، لأنّ السّكوت في النّسب إقرار، لأنّ من بشّر بولد فسكت لحقه كما لو كان أقرّ به‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلحي‏:‏ ‏(‏لعان، ونسب‏)‏‏.‏

19 - هذا، وقد تعرّض الفقهاء لحكم السّكوت في مسائل أخرى، وذكروا أنّ السّكوت فيها وأمثالها يعتبر رضاً وإذناً، كالقبول بالسّكوت في الإجارة والوكالة والإذن بالقبض في البيع والرّهن، وسكوت المحرم حين حلق رأسه وغيرها من المسائل‏.‏

فقد ذكر الحنفيّة أنّ السّكوت في الإجارة يعدّ قبولاً ورضاً، فإذا قال صاحب الدّار‏:‏ اسكن بكذا وإلاّ فاخرج فسكت وسكن، كان مستأجراً بالمسمّى بسكناه وسكوته‏.‏

كذلك لو قال صاحب الدّار‏:‏ اسكن بمائة وقال المستأجر‏:‏ ثمانين، فسكت المالك وأبقى المستأجر ساكناً يلزم ثمانون، لأنّ السّكوت من قبل المالك في هذه الحالة يعدّ قبولاً‏.‏

وكذا لو قال الرّاعي للمالك‏:‏ لا أرضى بما سمّيت وإنّما أرضى بكذا فسكت المالك فرعى الرّاعي لزم المالك ما سمّاه الرّاعي بسكوت المالك‏.‏

وقالوا‏:‏ سكوت الوكيل قبول، ويرتدّ بردّه‏.‏ وسكوت البائع الّذي له حقّ حبس المبيع حين رأى المشتري قبض المبيع إذن بقبضه‏.‏ وإذا رأى المرتهن الرّاهن يبيع الرّهن فسكت يكون رضًا من المرتهن، ويبطل الرّهن في المذهب عند الحنفيّة‏.‏

ونصّ الحنفيّة والشّافعيّة على أنّه لو حلق الحلّاق رأس محرم وهو ساكت، فلم يمنعه مع القدرة عليه فإنّه يعتبر إذناً، قال الشّافعيّة‏:‏ الأصحّ أنّه كما لو حلق بأمره فتلزمه الفدية‏.‏ ومن هذا القبيل القراءة على الشّيخ وهو ساكت، فإنّها تنزل منزلة النّطق‏.‏

واشترط إمام الحرمين في هذه الحالة أنّه لو عرض من القارئ تصحيف وتحريف لردّه الشّيخ، فسكوته حينئذ بمنزلة قراءته‏.‏ وقد ذكر ابن نجيم في أشباهه، والكمال بن الهمام، وابن عابدين والزّركشيّ فروعاً أخرى ينزل فيها السّكوت منزلة النّطق والإذن‏.‏

كما ذكروا أمثلةً أخرى لا يدلّ السّكوت فيها على الرّضا والإذن وفقاً لقاعدة‏:‏ ‏"‏ لا ينسب إلى ساكت قول ‏"‏ ومن هذه الأمثلة‏:‏

لو سكت عن قطع عضو منه فلا يسقط ضمانه‏.‏

ولو سكت عن إتلاف شيء من ماله مع القدرة على الدّفع لم يسقط ضمانه‏.‏

ولو تزوّجت غير كفء فسكت الوليّ عن مطالبة التّفريق لا يعدّ رضاً ما لم تلد، وكذا سكوت امرأة العنّين ليس برضاً ولو أقامت معه سنين‏.‏

وفي بعض هذه المسائل خلاف وتفصيل ينظر في مصطلحاتها وفي مظانّها من كتب الفقه‏.‏

السّكوت في الدّعاوى

20 - ذكر الحنفيّة أنّ المدّعى عليه إذا كلّف باليمين فنكل صراحةً، كأن قال‏:‏ لا أحلف، أو حكماً كأن سكت بغير عذر ومن غير آفة ‏"‏ كخرس وطرش ‏"‏ يعتبر سكوته نكولاً يحكم الحاكم عليه بنكوله‏.‏

وإذا قال‏:‏ لا أقرّ ولا أنكر لا يستحلف بل يحبس حتّى يقرّ أو ينكر، وكذا لو لزم السّكوت عند أبي يوسف‏.‏ ونقل ابن عابدين عن البدائع أنّ الأشبه أنّ هذا السّكوت إنكار فيستحلف‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إذا سكت المدّعى عليه أو قال‏:‏ لا أخاصمه قال له القاضي‏:‏ إمّا خاصمت وإمّا أحلفت هذا المدّعي على دعواه وحكمت له‏.‏ فإن تكلّم وإلاّ يحكم عليه بنكوله بعد يمين المدّعي‏.‏ وقال محمّد بن عبد الحكم، وهي رواية أشهب وجرى بها العمل‏:‏ إن قال‏:‏ لا أقرّ ولا أنكر لم يتركه حتّى يقرّ أو ينكر‏.‏‏.‏ فإن تمادى في امتناعه حكم عليه بغير يمين‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه إذا أصرّ المدّعى عليه على السّكوت عن جواب المدّعي لغير دهشة أو غباوة جعل حكمه كمنكر للمدّعى به ناكل عن اليمين، وحينئذ فتردّ اليمين على المدّعي بعد أن يقول له القاضي‏:‏ أجب عن دعواه وإلاّ جعلتك ناكلاً، فإن كان سكوته لدهشة أو جهالة أو غباوة شرح له ثمّ حكم، بعد ذلك عليه‏.‏ وسكوت الأخرس عن الإشارة المفهمة للجواب كسكوت النّاطق‏.‏

وعند الحنابلة في اعتبار سكوت المدّعى عليه نكولاً روايتان‏:‏ فقد جاء في المغني أنّه إن سكت المدّعى عليه عن جواب الدّعوى حبسه الحاكم حتّى يجيب، ولا يجعله بذلك ناكلاً ذكره القاضي في المجرّد‏.‏

ونقل ابن قدامة عن أبي الخطّاب قولاً آخر موافقاً لما قاله البهوتيّ من أنّه إن سكت المدّعى عليه فلم يقرّ ولم ينكر أو قال‏:‏ لا أقرّ ولا أنكر، أو قال‏:‏ لا أعلم قدر حقّه‏:‏ قال له القاضي‏:‏ احلف وإلاّ جعلتك ناكلاً وقضيت عليك‏.‏ وإن لم يحلف المدّعى عليه قال له‏:‏ إن حلفت وإلاّ قضيت عليك بالنّكول ويكرّر ذلك عليه، فإن أجاب وإلاّ جعله ناكلاً وحكم عليه‏.‏

وتفصيل الموضوع في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

السّكوت عند الأصوليّين

تعرّض الأصوليّون لحكم السّكوت في موضعين‏:‏ الأوّل عند الكلام عن أقسام البيان ومنها بيان الضّرورة، والثّاني عند الكلام عن الإجماع السّكوتيّ‏.‏ وفيما يلي إجمال ما قالوا‏:‏

21 - أوّلاً‏:‏ من أقسام البيان عند الأصوليّين بيان الضّرورة وهو البيان الّذي يقع بسبب الضّرورة بما لم يوضع له وهو السّكوت، فيقع السّكوت فيه مقام الكلام، وهو أربعة أنواع‏:‏ الأوّل‏:‏ ما هو في حكم المنطوق مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ‏}‏ فإنّه يدلّ على أنّ الباقي للأب، فصار بياناً لقدر نصيبه بدلالة صدر الكلام لا بمحض السّكوت‏.‏

ونظير ذلك المضاربة فإنّ بيان نصيب المضارب والسّكوت عن نصيب ربّ المال صحيح للاستغناء عن البيان‏.‏

كذلك بيان نصيب ربّ المال والسّكوت عن نصيب المضارب وعلى هذا حكم المزارعة‏.‏

الثّاني‏:‏ ما يثبت بدلالة حال المتكلّم كسكوت النّبيّ صلى الله عليه وسلم عند أمر يعاينه عن التّغيير فإنّه يدلّ على كونه حقّاً، مثل ما شاهد من بياعات ومعاملات كان النّاس يتعاملونها فيما بينهم، ومآكل ومشارب وملابس كانوا يستديمون مباشرتها، فأقرّهم عليها، ولم ينكرها عليهم، فدلّ أنّ جميعها مباح في الشّرع، إذ لا يجوز من النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقرّ النّاس على منكر محظور، فكان سكوته بياناً‏.‏

وفي ذلك تفصيل ينظر في الملحق الأصوليّ‏.‏

ومن هذا النّوع سكوت البكر البالغة في النّكاح يجعل بياناً لحالها الّتي توجب ذلك، وهو الحياء، فجعل سكوتها دليلاً على الإجازة والرّضا‏.‏ وكذلك النّكول جعل بياناً لحال النّاكل، وهو امتناعه عن أداء ما لزم مع القدرة عليه، فيدلّ ذلك على إقراره بالمدّعى‏.‏

الثّالث‏:‏ ما جعل بياناً لضرورة دفع الغرور، كسكوت المولى حين يرى عبده يبيع ويشتري، فجعل هذا السّكوت إذناً، دفعاً للغرور عن النّاس‏.‏

وكذا سكوت الشّفيع، جعل ردّاً لهذا المعنى وهو دفع الغرور عن المشتري، فإذا لم يجعل سكوت الشّفيع عن طلب الشّفعة إسقاطاً لها فإمّا أن يمتنع المشتري عن التّصرّف أو تصرّف ثمّ ينقض الشّفيع عليه تصرّفه، وكلاهما ضرر على المشتري‏.‏

الرّابع‏:‏ ما ثبت لضرورة الكلام، كما لو قال‏:‏ له عليّ ألف ودرهم، أو ألف ودينار أو مائة وقفيز حنطة، فإنّ العطف جعل بياناً للأوّل، فجعل الأوّل من جنس المعطوف‏.‏

ثانياً‏:‏ الإجماع السّكوتيّ‏:‏

22 - الإجماع السّكوتيّ هو أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول، وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر فيسكتون، ولا يظهر منهم تصريح بالقول ولا الإنكار‏.‏

وشروط الإجماع السّكوتيّ الّذي اختلف الفقهاء والأصوليّون في حكمه هي‏:‏

أ - أن يكون السّكوت مجرّداً عن أمارة الرّضا والسّخط، فإذا كان السّكوت مقترناً بالرّضا فإنّه إجماع قطعاً، أو بالسّخط فليس بإجماع قطعاً‏.‏

ب - أن تكون المسألة قد بلغت كلّ المجتهدين في أهل ذلك العصر‏.‏

ج - أن يكون قد مضى على الحكم في المسألة زمن مهلة النّظر والتّأمّل عادةً، ولا تقيّة هناك لخوف أو مهابة أو غيرهما‏.‏

د - أن تكون المسألة محلّ الاجتهاد والنّظر ولا تكون قطعيّةً، وإلاّ فلا يكون من محلّ الإجماع السّكوتيّ‏.‏

واختلفوا في حجّيّته على أقوال‏:‏ فأكثر الحنفيّة قالوا‏:‏ إنّه إجماع قطعيّ، لأنّه لو شرط قول كلّ في انعقاد الإجماع لم يتحقّق إجماع أصلاً، لأنّ العادة في كلّ عصر إفتاء الأكابر، وسكوت الأصاغر تسليماً‏.‏

قال الجلال المحلّيّ‏:‏ سكوت العلماء في مثل ذلك يظنّ منه الموافقة عادةً‏.‏

وروي عن الشّافعيّ أنّه ليس بحجّة، أخذاً من قاعدة‏:‏ ‏"‏ لا ينسب إلى ساكت قول ‏"‏ ولاحتمال أن يكون السّكوت لغير الموافقة، كالخوف والمهابة والتّردّد في المسألة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ إنّه إجماع قطعيّ في الفتيا فقط أمّا القضاء فلا إجماع فيه أصلاً‏.‏

وقيل‏:‏ إنّه إجماع قطعيّ إذا كثر السّكوت وتكرّر فيما يعمّ فيه البلوى‏.‏

وذهب الآمديّ والكرخيّ إلى أنّه إجماع ظنّيّ‏.‏

قال ابن السّبكيّ بعد ما نقل أقوال وآراء العلماء في ذلك‏:‏ والصّحيح أنّه حجّة مطلقاً‏.‏ وتفصيل الموضوع في الملحق الأصوليّ‏.‏

سِلاح

التّعريف

1 - السّلاح‏:‏ اسم جامع لآلة الحرب، أي‏:‏ كلّ ما يقاتل به، وجمعه أسلحة‏.‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ‏}‏‏.‏ وخصّ بعضهم السّلاح بما كان من الحديد وربّما خصّ به السّيف، قال الأزهريّ‏:‏ السّيف وحده يسمّى سلاحاً‏.‏

ولا يخرج معناه الاصطلاحيّ عن المعانى اللّغويّة‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّلاح

إعداد السّلاح للجهاد والتّدرّب عليه

2 - ذهب العلماء إلى أنّ الاستعداد للجهاد بإعداد السّلاح، والتّدرّب على استعماله وعلى الرّمي فريضة تقتضيها فريضة الجهاد، لقوله تعالى ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ والفخر الرّازيّ‏:‏ إنّ الآية تدلّ على أنّ الاستعداد للجهاد بالسّلاح فريضة، إلاّ أنّه من فروض الكفايات‏.‏

فقد أمر اللّه سبحانه وتعالى المسلمين بإعداد القوّة للأعداء‏.‏ وقد ورد لفظ القوّة - في الآية الكريمة - مطلقاً بغير تحديد ولا تقييد، فهو يتّسع ليشمل كلّ عناصر القوّة مادّيّاً ومعنويّاً، وما يتقوّى به على حرب العدوّ، وكلّ ما هو آلة للغزو والجهاد فهو من جملة القوّة‏.‏

وقد تركت الآية الكريمة تحديد القوّة المطلوبة، لأنّها تتطوّر تبعاً للزّمان والمكان، وحتّى يلتزم المسلمون بإعداد ما يناسب ظروفهم من قوّة يستطيعون بها إرهاب العدوّ‏.‏

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ «سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول‏:‏ ‏{‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ‏}‏، ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي، ألا إنّ القوّة الرّمي»‏.‏ كرّر هذه الجملة ثلاث مرّات، للتّأكيد والتّرغيب في تعلّمه وإعداد آلات الحرب، وقد فسّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم القوّة بالرّمي، وهو أهمّ فنون القتال، حيث إنّ الرّمي أعلى المراتب في استعمال السّلاح‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ إنّما فسّر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم القوّة بالرّمي - وإن كانت القوّة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب - لكون الرّمي أشدّ نكايةً في العدوّ وأسهل مؤنةً، لأنّه قد يرمي رأس الكتيبة فيهزم من خلفه‏.‏

ولأبي داود والتّرمذيّ والنّسائيّ وابن حبّان من وجه آخر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «إنّ اللّه - عزّ وجلّ - يدخل بالسّهم الواحد ثلاثة نفر الجنّة‏:‏ صانعه يحتسب في صنعته الخير، والرّامي به ومنبله، وارموا واركبوا، وأن ترموا أحبّ إليّ من أن تركبوا ليس من اللّهو إلاّ ثلاث‏:‏ تأديب الرّجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، ومن ترك الرّمي بعدما علمه رغبةً عنه، فإنّها نعمة تركها أو قال كفرها»‏.‏

قال الخطّابيّ أي‏:‏ ليس من اللّهو المباح إلاّ ثلاث‏.‏ وقيل في معناه أيضاً‏:‏ ليس من اللّهو المستحبّ إلاّ هذه الثّلاث‏.‏

يبيّن الحديث أنّ اللّه تعالى يدخل الجنّة صانع النّبل والرّامي به، ومناول النّبل، إذا كانوا يقصدون في عملهم إعلاء كلمة اللّه تعالى، وجهاد الكفّار، وليس من اللّهو المستحبّ إلاّ تدريب الرّجل فرسه بالرّكض والجولان على نيّة الغزو، وكذلك الرّمي‏.‏

تزيين السّلاح بالذّهب والفضّة

3 - اختلف الفقهاء في تزيين آلات الحرب بالذّهب، فقال الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة وهي رواية عند الحنابلة‏:‏ لا يجوز تزيين آلات الحرب بالذّهب للرّجال، لأنّ الأصل أنّ التّحلّي بالذّهب حرام على الرّجال، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ هذين حرام على ذكور أمّتي» إلاّ ما خصّه الدّليل، ولم يثبت ما يدلّ على الجواز، ولأنّ فيه زيادة إسراف وخيلاء‏.‏

وقيل‏:‏ عند الحنابلة يباح الذّهب في السّلاح، واختاره الآمديّ منهم وابن تيميّة‏.‏

وأمّا تحلية آلات الحرب بالفضّة فيجوز عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ يحلّ للرّجل من الفضّة الخاتم وحلية آلات الحرب، كالسّيف والرّمح والمنطقة والدّرع والخفّ وأطراف السّهام، لأنّ ذلك يغيظ الكفّار‏.‏

وقال الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ لا يجوز التّحلية بالفضّة، لأنّها في معنى التّحلية بالذّهب‏.‏

وأمّا السّيف فيجوز تزيينه بالفضّة باتّفاق الفقهاء، لحديث أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «كانت قبيعة سيف النّبيّ صلى الله عليه وسلم فضّةً»، وأخرج البيهقيّ عن المسعوديّ قال‏:‏ «رأيت في بيت القاسم بن عبد الرّحمن سيفاً قبيعته فضّة، فقلت‏:‏ سيف من هذا‏؟‏ قال‏:‏ سيف عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه»‏.‏

وفي صحيح البخاريّ أنّ سيف عبد اللّه بن الزّبير وعروة بن الزّبير كانا محلّيين بالفضّة‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ يجوز تحلية السّيف بالفضّة بشرط أن لا يضع يده على موضع الفضّة‏.‏

وأمّا تحليته بالذّهب فلا يجوز عند الحنفيّة والشّافعيّة، لحرمة التّحلّي بالذّهب للرّجال، ولأنّ فيه زيادة إسراف وخيلاء‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ يجوز تحلية السّيف بالذّهب والفضّة، سواء اتّصلت الحلية به كقبضته، أو انفصلت كغمده، وذلك للرّجال، أمّا سيف المرأة فلا يجوز تحليته عندهم بالذّهب والفضّة‏.‏

حمل السّلاح في صلاة الخوف

4 - ذهب جمهور الفقهاء إلى استحباب حمل السّلاح للخائف في الصّلاة يدفع به العدوّ عن نفسه، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ ‏;‏ ولأنّهم لا يأمنون أن يفجأهم عدوّهم، فيميلوا عليهم‏.‏ كما قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً‏}‏‏.‏

والمستحبّ من ذلك ما يدفع به عن نفسه كالسّيف والسّكّين، ولا يثقله كالجوشن ‏"‏ الدّرع ‏"‏، ولا يمنع من كمال السّجود كالمغفر‏.‏ ولا يؤذي غيره كالرّمح المتوسّط والكبير، ولا يجوز حمل نجس، ولا ما يخلّ بركن من أركان الصّلاة إلاّ عند الضّرورة‏.‏

وليس النّصّ للإيجاب عند الجمهور،لأنّ الأمر به للرّفق بهم والصّيانة لهم فلم يكن للإيجاب‏.‏ وقال بعض الشّافعيّة‏:‏ إنّ حمل السّلاح في صلاة الخوف واجب، لأنّ ظاهر الأمر الوجوب، وقد اقترن بالنّصّ ما يدلّ على إرادة الإيجاب به وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذىً مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ‏}‏ ونفي الحرج مشروطاً بالأذى دليل على لزومه عند عدمه‏.‏ فأمّا إن كان بهم أذىً من مطر أو مرض فلا يجب بغير خلاف، بتصريح النّصّ بنفي الحرج فيه‏.‏

نزع السّلاح عن الشّهيد

5 - ينزع السّلاح عن الشّهيد، لقول ابن عبّاس رضي الله عنهما‏:‏ «أمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم»‏.‏ قال البغويّ‏:‏ هذا هو السّنّة في الشّهيد أن ينزع عنه الأسلحة والجلود والخفاف والفراء، ويدفن بما عليه من ثياب العامّة، ولأنّ هذه الأشياء الّتي أمر بنزعها ليست من جنس الكفن، ولأنّ الدّفن بالسّلاح وما ذكر معه كان من عادة أهل الجاهليّة، فإنّهم كانوا يدفنون أبطالهم بما عليهم من الأسلحة، وقد نهينا عن التّشبّه بهم‏.‏

زكاة السّلاح

6 - ليس في سلاح الاستعمال - كدوابّ الرّكوب وثياب البدن وأثاث المنزل - زكاة، لأنّها مشغولة بالحاجة الأصليّة، وليست بنامية‏.‏ وهذا ما لم يكن السّلاح ونحوه للتّجارة‏.‏

حمل السّلاح للمحرم

7 - يجوز للمحرم أن يتقلّد السّيف للحاجة، لما روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ «لمّا صالح رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أهل الحديبية، صالحهم أن لا يدخلها إلاّ بجلبان السّلاح»‏:‏ القراب بما فيه‏.‏ وهذا ظاهر في إباحة حمله في الحرم عند الحاجة، لأنّهم لم يكونوا يأمنون أهل مكّة أن ينقضوا العهد‏.‏

ولا يجوز أن يتقلّد السّيف وغيره من الأسلحة لغير حاجة، لقول ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏ لا يحلّ لمحرم السّلاح في الحرم ‏"‏ قال ابن قدامة‏:‏ القياس يقتضي إباحته، لأنّه ليس في معنى اللّبس، كما لو حمل قربةً في عنقه‏.‏

حمل السّلاح بمكّة المكرّمة

8 - لا يجوز حمل السّلاح بمكّة لغير حاجة، لما روى مسلم عن جابر مرفوعاً‏:‏ «لا يحلّ لأحدكم أن يحمل بمكّة السّلاح»‏.‏ وقال الحسن البصريّ‏:‏لا يحلّ لأحد أن يحمل السّلاح بمكّة، لأنّ القتال فيها منهيّ عنه فلا يحلّ ما يسبّبه‏.‏

قال القاضي عياض‏:‏ وهو محمول عند أهل العلم على حمل السّلاح لغير ضرورة أو حاجة‏.‏ فإن كانت حاجة جاز، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عام عمرة القضاء بما اشترطه من السّلاح في القراب، ولدخوله صلى الله عليه وسلم عام الفتح متأهّباً للقتال»‏.‏

حمل السّلاح على الغير

9 - من حمل السّلاح على المسلمين بغير حقّ ولا تأويل ولا استحلال فهو عاص، ولا يكفر بذلك، فإن استحلّه كفر، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من حمل علينا السّلاح فليس منّا»‏.‏ وقال ابن حجر في فتح الباري في شرح قوله «فليس منّا» أي‏:‏ ليس متّبعاً لطريقتنا، لأنّ من حقّ المسلم على المسلم أن ينصره ويقاتل دونه، لا أن يرعبه بحمل السّلاح عليه لإرادة قتاله أو قتله‏.‏ وهذا في حقّ من لا يستحلّ ذلك، فأمّا من يستحلّه فإنّه يكفر باستحلال المحرّم بشرطه، لا بمجرّد حمل السّلاح‏.‏

والأولى عند كثير من السّلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرّض لتأويله، ليكون أوقع في النّفوس، وأبلغ في الزّجر‏.‏ وكان سفيان بن عيينة ينكر على من يصرفه عن ظاهره‏.‏

والمراد بحمل السّلاح شهره على المسلمين والصّيال عليهم‏.‏ وينظر التّفصيل في ‏(‏صيال‏)‏‏.‏

بيع السّلاح لأهل الحرب وأهل الفتنة

10 - يحرم بيع السّلاح لأهل الحرب ولمن يعلم أنّه يريد قطع الطّريق على المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم، وقال الحسن البصريّ‏:‏ لا يحلّ لمسلم أن يحمل إلى عدوّ المسلمين سلاحاً يقوّيهم به على المسلمين، ولا كراعاً، ولا ما يستعان به على السّلاح والكراع، لأنّ في بيع السّلاح لأهل الحرب تقويةً لهم على قتال المسلمين، وباعثاً لهم على شنّ الحروب ومواصلة القتال، لاستعانتهم به وذلك يقتضي المنع‏.‏

ويحرم أيضاً بيع السّلاح للبغاة وأهل الفتنة، لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ‏}‏‏.‏

ولما روى عمران بن حصين رضي الله عنه‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع السّلاح في الفتنة» وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الفتنة نائمة لعن اللّه من أيقظها»، ولأنّه إعانة على المعصية‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏أهل الحرب، وبغاة‏)‏‏.‏

وأمّا بيع ما يتّخذ منه السّلاح، كالحديد ونحوه فإنّه يحرم أيضاً عند الجمهور، ومنهم الصّاحبان خلافاً لأبي حنيفة‏.‏ وتفصيله في ‏(‏بيع منهيّ عنه، ف 116، ج 9 / 212‏)‏‏.‏

اشتراط حمل السّلاح لحدّ الحرابة - قطع الطّريق

11 - يشترط في المحارب الّذي يقام عليه حدّ قطع الطّريق عند الحنفيّة والحنابلة‏:‏ أن يكون معه سلاح، والحجارة والعصا سلاح هنا، فإن تعرّضوا للنّاس بالعصيّ والأحجار فهم محاربون، وأمّا إذا لم يحملوا شيئاً ممّا ذكر فليسوا بمحاربين‏.‏

ولا يشترط المالكيّة والشّافعيّة حمل السّلاح بل يكفي عندهم‏:‏ القهر والغلبة وأخذ المال ولو بالكسر والضّرب بجمع الكفّ، أي‏:‏ بالكفّ مقبوضةً‏.‏

سُلاَمى

التّعريف

1 - السّلامى لغةً‏:‏ واحد السّلاميات بفتح الميم هي عظام الأصابع، والسّلامى اسم للواحد والجمع أيضاً، وقال ابن الأثير‏:‏ السّلامى جمع سلامية، وهي الأنملة من الأصابع‏.‏

وفي الحديث‏:‏ «كلّ سلامى من النّاس عليه صدقة كلّ يوم تطلع فيه الشّمس»‏.‏

الحكم الإجماليّ

2 - أجمع أهل العلم على جريان القصاص في الأطراف، وقد ثبت ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ‏}‏‏.‏

ويشترط لجريان القصاص فيها شروط منها‏:‏ أن يكون القطع من المفصل، فإن كان من غير مفصل فلا قصاص فيه من موضع القطع بغير خلاف، لحديث جابر‏:‏ «أنّ رجلاً ضرب رجلاً على ساعده بالسّيف، فقطعها من غير مفصل، فاستعدى عليه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدّية‏.‏ قال‏:‏ إنّي أريد القصاص قال‏:‏ خذ الدّية بارك اللّه لك فيها ولم يقض له بالقصاص‏.‏‏.‏»‏.‏

قالوا‏:‏ وأصابع كلّ من اليدين والرّجلين عشر، ففي كلّ أصبع عشر الدّية، ودية كلّ أصبع مقسومة على أناملها أي‏:‏ ‏(‏سلامياتها‏)‏ ففي كلّ أنملة منها‏:‏ - غير الإبهام - ثلث دية الأصبع، لأنّ لكلّ أصبع‏:‏ ثلاث أنامل‏.‏ إلاّ الإبهام‏:‏ فله أنملتان‏.‏ ففي كلّ أنملة منه‏:‏ نصف دية الأصبع‏.‏ عملاً بقسط واجب الأصبع‏.‏

مواطن البحث

3 - يتناول الفقهاء أحكام السّلامى معبّرين عنها‏:‏ بالأنامل تارةً، وبالمفاصل من أصابع اليدين والقدمين - تارةً أخرى - في مباحث‏:‏ الجنايات، عن الكلام على القصاص وديات الأطراف‏.‏ وفي الجنائز، عند الكلام عن تليين مفاصل الميّت، وفي الوضوء، عند غسل المفاصل، وفي استعمال الذّهب والفضّة، لبيان حكم اتّخاذ الأنامل منهما‏.‏

سَلاَم

التّعريف

1 - السَّلام - بفتح السّين - اسم مصدر سلّم أي‏:‏ ألقى السّلام، ومن معاني السّلام السّلامة والأمن والتّحيّة، ولذلك قيل للجنّة‏:‏ دار السّلام لأنّها دار السّلامة من الآفات كالهرم والأسقام والموت‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ‏}‏‏.‏

والسّلام اسم من أسماء اللّه تعالى‏.‏

2 - والسّلام يطلق عند الفقهاء على أمور‏:‏ منها‏:‏ التّحيّة الّتي يحيّي بها المسلمون بعضهم بعضاً، والّتي أمر اللّه سبحانه وتعالى بها في كتابه حيث قال‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً‏}‏ ذلك أنّ للعرب وغيرهم تحيّات خاصّةً بهم، فلمّا جاء الإسلام دعا المؤمنين إلى التّحيّة الخاصّة، وهي قول‏:‏ ‏"‏ السّلام عليكم ‏"‏، وقصرهم عليه، وأمرهم بإفشائه‏.‏

والسّلام أيضاً تحيّة أهل الجنّة‏.‏ قال سبحانه‏:‏ ‏{‏وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ، سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏‏.‏

وقد اختير هذا اللّفظ دون غيره، لأنّ معناه الدّعاء بالسّلامة من الآفات في الدّين والنّفس، ولأنّ في تحيّة المسلمين بعضهم لبعض بهذا اللّفظ عهداً بينهم على صيانة دمائهم وأعراضهم وأموالهم‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّحيّة‏:‏

3 - التّحيّة في اللّغة مصدر حيّاه يحيّيه تحيّةً، وأصله في اللّغة‏:‏ الدّعاء بالحياة، ومنه ‏"‏ التّحيّات للّه ‏"‏‏.‏ أي‏:‏ البقاء وقيل‏:‏ الملك، ثمّ كثر حتّى استعمل في ما يحيّا به من سلام ونحوه‏.‏

فهي أعمّ من السّلام فتشمل السّلام والتّقبيل والمصافحة والمعانقة ونحو ذلك على ما سيأتي‏.‏

ب - التّقبيل‏:‏

4 - التّقبيل في اللّغة مصدر قبّل، والاسم منه القُبلة، والجمع القُبَل‏.‏

والتّقبيل صورة من صور التّحيّة‏.‏

ج - المصافحة‏:‏

5 - المصافحة كما في المصباح‏:‏ الإفضاء باليد إلى اليد، وذكر ابن عابدين أنّ المصافحة إلصاق صفحة الكفّ بالكفّ، وإقبال الوجه بالوجه‏.‏ فأخذ الأصابع ليس بمصافحة، خلافاً للرّوافض‏.‏

والسّنّة أن تكون بكلتا يديه بغير حائل، من ثوب أو غيره وعند اللّقاء وبعد السّلام، وأن يأخذ الإبهام، فإنّ فيه عرقاً ينبت المحبّة، وقد تحرم كمصافحة الأمرد‏.‏

وقد تكره كمصافحة ذي عاهة، من برص وجذام‏.‏

وتسنّ في غير ذلك مع اتّحاد الجنس خصوصاً لنحو قدوم سفر‏.‏

وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏مصافحة‏)‏‏.‏

د - المعانقة‏:‏

6 - المعانقة في اللّغة‏:‏ الضّمّ والالتزام واعتنقت الأمر أخذته بجدّ‏.‏

وذكر صاحب الفواكه الدّواني أنّ المعانقة هي جعل الرّجل عنقه على عنق صاحبه‏.‏

وقد كرهها مالك كراهة تنزيه لأنّها من فعل الأعاجم‏.‏

قال القرافيّ في الذّخيرة‏:‏ كره مالك المعانقة، لأنّه لم يرد عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنّه فعلها إلاّ مع جعفر بن أبي طالب لمّا رجع من الحبشة، ولم يصحبها العمل من الصّحابة بعده‏.‏

وأمّا غير المالكيّة من الفقهاء، كالحنابلة فقالوا بجوازها، ففي الآداب الشّرعيّة لابن مفلح إباحة المعانقة‏.‏ ومثلها تقبيل اليد والرّأس تديّناً وإكراماً واحتراماً مع أمن الشّهوة‏.‏

لحديث «أبي ذرّ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عانقه»‏.‏

قال إسحاق بن إبراهيم سألت أبا عبد اللّه عن الرّجل يلقى الرّجل يعانقه قال‏:‏ نعم فعله أبو الدّرداء‏.‏

ومعانقة الأجنبيّة والأمرد حرام، كما ذكر الشّافعيّة ومعانقة الرّجل زوجته مكروهة في الصّوم، وكذا معانقة ذوي العاهات من برص وجذام أي‏:‏ مكروهة‏.‏

وأمّا المعانقة فيما سوى ذلك، كمعانقة الرّجل للرّجل فهي سنّة حسنة خاصّةً عند القدوم من السّفر‏.‏ وتفصيل ذلك محلّه مصطلح ‏(‏معانقة‏)‏‏.‏

صيغة السّلام وصيغة الرّدّ

7 - صيغة السّلام وصفته الكاملة أن يقول المسلم‏:‏ ‏"‏ السّلام عليكم ‏"‏ بالتّعريف وبالجمع‏.‏ سواء كان المسلَّمُ عليه واحداً أو جماعةً، لأنّ الواحد معه الحفظة كالجمع من الآدميّين وهذه الصّيغة هي المرويّة عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وعن السّلف الصّالح‏.‏

ويجوز أن يقول‏:‏ سلام عليكم بالتّنكير، إلاّ أنّ التّعريف أفضل، لأنّه تحيّة أهل الدّنيا فأمّا ‏"‏ سلام ‏"‏ بالتّنكير فتحيّة أهل الجنّة‏.‏ كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏‏.‏

8- والأكمل أن يقول‏:‏ السّلام عليكم، بتأخير الجارّ والمجرور، فلو قال‏:‏ عليكم السّلام، أو عليك السّلام، كان مخالفًا للأكمل، لما روي عن «جابر بن سليم قال‏:‏ لقيت رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فقلت‏:‏ عليك السّلام يا رسول اللّه فقال لا تقل عليك السّلام، فإنّ عليك السّلام تحيّة الميّت ولكن قل‏:‏ السّلام عليك»

قال القرطبيّ‏:‏ لمّا جرت عادة العرب بتقديم اسم المدعوّ عليه في الشّرّ كقولهم ‏"‏ عليه لعنة اللّه، وغضب اللّه ‏"‏ نهاه عن ذلك، لا أنّ ذاك هو اللّفظ المشروع في حقّ الموتى، لأنّه عليه السلام ثبت عنه «أنّه سلّم على الموتى، كما سلّم على الأحياء فقال‏:‏ السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون»‏.‏

وهذا ليس على سبيل التّحريم، بل هو خلاف الأكمل أو مكروه كما قال الغزاليّ‏.‏ وعلى كلّ حال فيجب ردّ السّلام‏.‏

ثمّ إنّ أكثر ما ينتهي إليه السّلام إلى البركة فتقول‏:‏ السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، وهو الّذي عليه العمل، لما روي عن عروة بن الزّبير أنّ رجلاً سلّم عليه فقال‏:‏ السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فقال عروة‏:‏ ما ترك لنا فضلاً، إنّ السّلام قد انتهى إلى وبركاته‏.‏ وذلك كما في روح المعاني، لانتظام تلك التّحيّة لجميع فنون المطالب الّتي هي السّلامة عن المضارّ، ونيل المنافع ودوامها ونماؤها‏.‏

وقيل‏:‏ يزيد المحيّي إذا جمع المحيّي الثّلاثة له وهي السّلام والرّحمة والبركة، لما روي عن سالم مولى عبد اللّه بن عمر رضي الله عنهم جميعاً قال‏:‏ كان ابن عمر إذا سلّم عليه فردّ زاد فأتيته فقلت‏:‏ السّلام عليكم فقال السّلام عليكم ورحمة اللّه تعالى، ثمّ أتيته مرّةً أخرى فقلت‏:‏ السّلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته فقال‏:‏ السّلام عليكم ورحمة اللّه تعالى وبركاته وطيّب صلواته‏.‏ ولا يتعيّن ما ذكر للزّيادة لما روي عن معاذ زيادة ومغفرته‏.‏

صيغة ردّ السّلام

9 - صيغة الرّدّ أن يقول المسلَّم عليه ‏"‏ وعليكم السّلام ‏"‏ بتقديم الخبر وبالواو، ويصحّ أن يقول‏:‏ سلام عليكم‏.‏ بتنكير السّلام تقديمه، وبدون واو، لكن الأفضل بالواو لصيرورة الكلام بها جملتين، فيكون التّقدير‏:‏ عليّ السّلام وعليكم، فيصير الرّادّ مسلّماً على نفسه مرّتين‏:‏ الأولى من المبتدئ والثّانية من نفس الرّادّ، بخلاف ما إذا ترك الواو، فإنّ الكلام حينئذ يصير جملةً واحدةً تخصّ المسلّم وحده‏.‏

والأصل في صيغة الرّدّ أن تنتهي إلى البركة فتقول‏:‏ وعليكم السّلام ورحمة اللّه وبركاته، وإذا قال المسلِّم‏:‏ السّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته، فإنّ الزّيادة تكون واجبةً، فلو اقتصر المسلِّم على لفظ‏:‏ السّلام عليكم كانت الزّيادة مستحبّةً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا‏}‏‏.‏

السّلام أو ردّه بالإشارة

10 - يكره السّلام أو ردّه بالإشارة بالرّدّ باليد أو بالرّأس بغير نطق بالسّلام مع القدرة وقرب المسلّم عليه، لأنّ ذلك من عمل أهل الكتاب‏:‏ اليهود والنّصارى لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه «ليس منّا من تشبّه بغيرنا، لا تشبّهوا باليهود ولا بالنّصارى، فإنّ تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النّصارى الإشارة بالأكفّ»‏.‏

فإن كانت الإشارة مقرونةً بالنّطق، بحيث وقع التّسليم أو الرّدّ باللّسان مع الإشارة، أو كان المسلّم عليه بعيداً عن المسلّم، بحيث لا يسمع صوته فيشير إليه بالسّلام بيده أو رأسه ليعلمه أنّه يسلّم فلا كراهة‏.‏

وتكفي الإشارة في السّلام على أصمّ أو أخرس أو الرّدّ على سلامه، خلافاً لما ذكره النّوويّ في الأذكار عن المتولّي حيث قال‏:‏ إذا سلّم على أصمّ لا يسمع، فينبغي أن يتلفّظ بلفظ السّلام لقدرته عليه، ويشير باليد حتّى يحصل الإفهام ويستحقّ الجواب، فلو لم يجمع بينهما لا يستحقّ الجواب قال‏:‏ وكذا لو سلّم عليه أصمّ وأراد الرّدّ فيتلفّظ باللّسان ويشير بالجواب ليحصل به الإفهام ويسقط عنه فرض الجواب‏.‏ قال‏:‏ ولو سلّم على أخرس فأشار الأخرس باليد سقط عنه الفرض، لأنّ إشارته قائمة مقام العبارة‏.‏ وكذا لو سلّم عليه أخرس بالإشارة يستحقّ الجواب مع العبارة‏.‏

السّلام بوساطة الرّسول أو الكتاب

11 - السّلام بواسطة الرّسول أو الكتاب كالسّلام مشافهةً، فقد ذكر النّوويّ في كتابه الأذكار عن أبي سعد المتولّي وغيره‏:‏ فيما إذا نادى إنسان إنساناً من خلف ستر أو حائط فقال‏:‏ السّلام عليك يا فلان، أو كتب كتاباً فيه‏:‏ السّلام عليك يا فلان‏:‏ أو السّلام على فلان، أو أرسل رسولاً وقال‏:‏ سلّم على فلان، فبلغه الكتاب أو الرّسول وجب عليه أن يردّ السّلام‏.‏ صرّح بذلك الشّافعيّة والحنابلة قال النّوويّ‏:‏ قال أصحابنا‏:‏ وهذا الرّدّ واجب على الفور، وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب وجب عليه أن يردّ السّلام باللّفظ على الفور إذا قرأه‏.‏ وقد ورد في الصّحيحين عن عائشة - رضي الله عنها -‏:‏ قالت‏:‏ قال لي رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم‏:‏ «هذا جبريل يقرأ عليك السّلام قالت‏:‏ قلت‏:‏ وعليه السّلام ورحمة اللّه»‏.‏

ويستحبّ أن يردّ على المبلّغ أيضاً بأن يقول‏:‏ وعليك وعليه السّلام‏.‏

السّلام وردّه بغير العربيّة

12 - السّلام وردّه بالعجميّة كالسّلام وردّه بالعربيّة، لأنّ الغرض من السّلام التّأمين والدّعاء بالسّلامة والتّحيّة، فيحصل ذلك بغير العربيّة، كما يحصل بها‏.‏

وهذا في السّلام خارج الصّلاة، إذ السّلام في الصّلاة لا يجزئ بغير العربيّة عند الشّافعيّة والحنابلة، وعند المالكيّة على قول‏.‏ ولا يكفيه الخروج منها بالنّيّة‏.‏

فإن أتى بالسّلام بالعجميّة فإنّ الصّلاة تبطل على قول عند المالكيّة، واستظهر بعض أشياخهم الصّحّة، قياساً على الدّعاء بالعجميّة للقادر على العربيّة‏.‏

هذا وجميع أذكار الصّلاة تصحّ بالعجميّة عند أبي حنيفة مطلقاً خلافاً للصّاحبين، وتفصيل ذلك يذكر في ‏(‏صلاة‏)‏‏.‏

حكم البدء بالسّلام وحكم الرّدّ

13 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ السّلام سنّة مستحبّة، وليس بواجب‏.‏

وهو سنّة على الكفاية إن كان المسلمون جماعةً بحيث يكفي سلام واحد منهم، ولو سلّموا كلّهم كان أفضل‏.‏

وذهب الحنفيّة - وهو رواية عن أحمد وقول مقابل للمشهور عند المالكيّة - إلى أنّ الابتداء بالسّلام واجب‏.‏ لحديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «حقّ المسلم على المسلم ستّ قيل‏:‏ ما هنّ يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد اللّه فشمّته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»‏.‏

14 - وأمّا ردّ السّلام فإن كان المسلَّم عليه واحداً تعيّن عليه الرّدّ، وإن كانوا جماعةً كان ردّ السّلام فرض كفاية عليهم، فإن ردّ واحد منهم سقط الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلّهم أثموا كلّهم، وإن ردّوا كلّهم فهو النّهاية في الكمال والفضيلة، فلو ردّ غيرهم لم يسقط الرّدّ عنهم، بل يجب عليهم أن يردّوا، فإن اقتصروا على ردّ ذلك الأجنبيّ أثموا‏.‏

هذا والأمر بالسّلام على هذا النّحو ثابت بالكتاب والسّنّة وبفعل الصّحابة فمن الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا‏}‏‏.‏

ومن السّنّة ما روي عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما «أنّ رجلاً سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم - أيّ الإسلام خير‏؟‏ قال‏:‏ تطعم الطّعام وتقرأ السّلام على من عرفت وعلى من لم تعرف»‏.‏

وما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ «خلق اللّه آدم على صورته، طوله ستّون ذراعاً، فلمّا خلقه قال‏:‏ اذهب فسلّم على أولئك - نفر من الملائكة جلوس - فاستمع ما يحيّونك، فإنّها تحيّتك وتحيّة ذرّيّتك، فقال السّلام عليكم، فقالوا السّلام عليك ورحمة اللّه، فزادوه ورحمة اللّه»‏.‏

وما روي عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال‏:‏ «أمرنا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - بسبع‏:‏ بعيادة المريض، واتّباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضّعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السّلام وإبرار المقسم»‏.‏

وما روي عن عليّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ «يجزئ عن الجماعة إذا مرّوا أن يسلّم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يردّ أحدهم»‏.‏

ومن فعل الصّحابة ما روي عن الطّفيل بن أبيّ بن كعب أنّه كان يأتي عبد اللّه بن عمر، فيغدو معه إلى السّوق قال‏:‏ فإذا غدونا إلى السّوق لم يمرّ عبد اللّه على سقاط، ولا صاحب بيعة، ولا مسكين ولا أحد إلاّ سلّم عليه، قال الطّفيل‏:‏ فجئت عبد اللّه بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السّوق، فقلت له‏:‏ ما تصنع بالسّوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السّلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السّوق، وأقول اجلس بنا هاهنا نتحدّث فقال يا أبطن - وكان الطّفيل ذا بطن - إنّما نغدو من أجل السّلام نسلّم على من لقيناه‏.‏

وما تقدّم من حكم السّلام والرّدّ خاصّ بالمسلّم الّذي لم ينشغل بالأذان أو الصّلاة أو قراءة القرآن، أو بتلبية حجّ أو عمرة، أو بالأكل أو بالشّرب، أو قضاء حاجة وغيرها، إذ السّلام على المنشغل بما ذكر ليس كالسّلام على غيره، وبيان ذلك في ما يلي‏:‏

أ - السّلام على من يؤذّن أو يقيم‏:‏

15 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة إلى أنّ حكم ردّ السّلام من المؤذّن الكراهة، لأنّ الفصل بين جمل الأذان عندهم مكروهة، ولو كان ذلك الفصل بإشارة عند المالكيّة، خلافاً للشّافعيّة، فله الرّدّ بالإشارة، ويكره السّلام أيضاً عندهم على الملبّي بحجّ أو عمرة لنفس العلّة‏.‏

ويكره عند الشّافعيّة السّلام على المؤذّن والمقيم لانشغالهم بالأذان والإقامة‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّه لا يسنّ السّلام على من يؤذّن أو يقيم، ولا يجب عليه الرّدّ، بل يجوز بالكلام ولا يبطل الأذان أو الإقامة‏.‏

ب - السّلام على المصلّي وردّه السّلام‏:‏

16 - السّلام على المصلّي سنّة عند المالكيّة جائز عند الحنابلة، فقد سئل أحمد عن الرّجل يدخل على القوم وهم يصلّون أيسلّم عليهم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

وأمّا ردّ السّلام من المصلّي فقد ذكر الحنفيّة - كما في الهداية - أن لا يردّ السّلام بلسانه، لأنّه كلام، ولا بيده، لأنّه سلام معنىً، حتّى لو صافح بنيّة التّسليم تفسد صلاته‏.‏

وذكر صاحب فتح القدير أنّ ردّ المصلّي السّلام بالإشارة مكروه وبالمصافحة مفسد‏.‏

ثمّ إنّ المصلّي لا يلزمه ردّ السّلام لفظاً بعد الفراغ من الصّلاة، بل يردّ في نفسه في رواية عن أبي حنيفة‏.‏ في رواية أخرى عنه أنّه يردّ بعد الفراغ، إلاّ أنّ أبا جعفر قال‏:‏ تأويله إذا لم يعلم أنّه في الصّلاة‏.‏

وعند محمّد يردّ بعد الفراغ، وعن أبي يوسف لا يردّ، لا قبل الفراغ ولا بعده في نفسه‏.‏ وذكر المالكيّة أنّ المصلّي لا يردّ السّلام باللّفظ، فإن ردّ عمداً أو جهلاً بطل‏.‏

وردّه باللّفظ سهواً يقتضي سجود السّهو، بل يجب عليه أن يردّ السّلام بالإشارة، خلافاً للشّافعيّة القائلين بعدم وجوب الرّدّ عليه‏.‏

وذهب الحنابلة إلى أنّ ردّ المصلّي السّلام بالكلام عمداً يبطل الصّلاة‏.‏

وردّ المصلّي السّلام بالإشارة مشروع عند الحنابلة‏.‏

وأمّا ابتداء المصلّي السّلام على غيره وهو في الصّلاة بالإشارة بيد أو رأس فيجوز عند المالكيّة فقط، ولا يلزمه السّجود لذلك‏.‏

ج - السّلام على المنشغل بالقراءة والذّكر والتّلبية والأكل، وعلى قاضي الحاجة وعلى من في الحمّام ونحو ذلك‏:‏

17 - الأولى ترك السّلام على المنشغل بقراءة القرآن، فإن سلّم كفاه الرّدّ بالإشارة، وإن ردّ باللّفظ استأنف الاستعاذة ثمّ يقرأ،واختار النّوويّ أنّه يسلّم عليه، ويجب عليه الرّدّ لفظاً‏.‏ وأمّا السّلام على المنشغل بالذّكر من دعاء وتدبّر فهو كالسّلام على المنشغل بالقراءة والأظهر كما ذكر النّوويّ أنّه إن كان مستغرقاً بالدّعاء مجمع القلب عليه فالسّلام عليه مكروه، للمشقّة الّتي تلحقه من الرّدّ، والّتي تقطعه عن الاستغراق بالدّعاء، وهي أكثر من المشقّة الّتي تلحق الآكل إذا سلّم عليه وردّ في حال أكله‏.‏

وأمّا الملبّي في الإحرام فيكره السّلام عليه ولو سلّم ردّ عليه باللّفظ‏.‏

وأمّا السّلام في حال خطبة الجمعة فيكره الابتداء به لأنّهم مأمورون بالإنصات للخطبة، فإن سلّم لم يردّوا عليه لتقصيره، وقيل‏:‏ إن كان الإنصات واجباً لم يردّ عليه، وإن كان سنّةً ردّ عليه، ولا يردّ عليه أكثر من واحد على كلّ وجه‏.‏

ولا يسلّم على من كان منشغلاً بالأكل واللّقمة في فمه، فإن سلّم لم يستحقّ الجواب، أمّا إذا سلّم عليه بعد البلع أو قبل وضع اللّقمة في فمه فلا يتوجّه المنع ويجب الجواب، ويسلّم في حال البيع وسائر المعاملات ويجب الجواب‏.‏

وأمّا السّلام على قاضي الحاجة ونحوه كالمجامع وعلى من في الحمّام والنّائم والغائب خلف جدار فحكمه الكراهة‏.‏

ومن سلّم عليهم لم يستحقّ الجواب لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ رجلاً مرّ، ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم - يبول، فسلّم فلم يردّ عليه»‏.‏

وما روي عن جابر - رضي الله عنه - «أنّ رجلاً مرّ ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم - يبول، فسلّم عليه فقال النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتني على مثل هذه الحال فلا تسلّم عليّ‏.‏ فإنّك إن فعلت ذلك لم أردّ عليك»‏.‏

وأمّا حكم الرّدّ منهم فهو الكراهة من قاضي الحاجة والمجامع، وأمّا من في الحمّام فيستحبّ له الرّدّ، كما ذكر النّوويّ في الرّوضة‏.‏

أحكام أخرى للسّلام

السّلام على الصّبيّ

18 - السّلام على الصّبيّ أفضل من تركه عند الحنفيّة، وذهب المالكيّة إلى أنّه مشروع وذكر النّوويّ في الرّوضة أنّه سنّة، وذكر ابن مفلح في الآداب الشّرعيّة أنّه جائز لتأديبهم، وهو معنى كلام ابن عقيل، وذكر القاضي في المجرّد وصاحب عيون المسائل والشّيخ عبد القادر أنّه يستحبّ‏.‏ لما ورد عن «أنس رضي الله عنه أنّه مرّ على صبيان، فسلّم عليهم، وقال‏:‏ كان النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يفعله»‏.‏

وأمّا جواب السّلام من الصّبيّ فغير واجب، لعدم تكليفه، كما ذكر المالكيّة والشّافعيّة، ويسقط ردّ السّلام بردّه عن الباقين إن كان عاقلاً عند الحنفيّة، لأنّه من أهل الفرض في الجملة، بدليل حلّ ذبيحته مع أنّ التّسمية فيها فرض عندهم‏.‏

وقد ذهب إلى ذلك أيضاً الأجهوريّ من المالكيّة والشّاشيّ من الشّافعيّة، قياساً على أذانه للرّجال‏.‏

والأصحّ عند الشّافعيّة عدم سقوط فرض ردّ السّلام عن الجماعة بردّ الصّبيّ، وبه قطع القاضي والمتولّي من الشّافعيّة، وقد توقّف في الاكتفاء بردّ الصّبيّ عن الجماعة صاحب الفواكه الدّواني من المالكيّة، حيث قال‏:‏ ولنا فيه وقفة، لأنّ الرّدّ فرض على البالغين، وردّ الصّبيّ غير فرض عليه فكيف يكفي عن الفرض الواجب على المكلّفين‏؟‏ فلعلّ الأظهر عدم الاكتفاء بردّه عن البالغين‏.‏

ثمّ ذكر الشّافعيّة وجهين في ردّ السّلام من البالغ على سلام الصّبيّ، بناءً على صحّة إسلامه أي‏:‏ الصّبيّ، وصحّح النّوويّ وجوب الرّدّ‏.‏

السّلام على النّساء

19 - سلام المرأة على المرأة يسنّ كسلام الرّجل على الرّجل، وردّ السّلام من المرأة على مثلها كالرّدّ من الرّجل على سلام الرّجل‏.‏

وأمّا سلام الرّجل على المرأة، فإن كانت تلك المرأة زوجةً أو أمةً أو من المحارم فسلامه عليها سنّة، وردّ السّلام منها عليه واجب،بل يسنّ أن يسلّم الرّجل على أهل بيته ومحارمه، وإن كانت تلك المرأة أجنبيّةً فإن كانت عجوزاً أو امرأةً لا تشتهى فالسّلام عليها سنّة، وردّ السّلام منها على من سلّم عليها لفظًا واجب‏.‏

وأمّا إن كانت تلك المرأة شابّةً يخشى الافتتان بها، أو يخشى افتتانها هي أيضاً بمن سلّم عليها فالسّلام عليها وجواب السّلام منها حكمه الكراهة عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، وذكر الحنفيّة أنّ الرّجل يردّ على سلام المرأة في نفسه إن سلّمت هي عليه، وتردّ هي أيضاً في نفسها إن سلّم هو عليها، وصرّح الشّافعيّة بحرمة ردّها عليه‏.‏

وأمّا سلام الرّجل على جماعة النّساء فجائز، وكذا سلام الرّجال على المرأة الواحدة عند أمن الفتنة‏.‏

وممّا يدلّ على جواز سلام الرّجل على جماعة النّساء ما روي عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت‏:‏ «مرّ علينا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في نسوة فسلّم علينا»‏.‏

وممّا يدلّ على جواز السّلام على المرأة العجوز ما أخرجه البخاريّ عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال‏:‏ «كانت لنا عجوز ترسل إليّ بضاعة نخل بالمدينة فتأخذ من أصول السّلق فتطرحه في قدر، وتكركر حبّات من شعير، فإذا صلّينا الجمعة انصرفنا ونسلّم عليها فتقدّمه إلينا»، ومعنى تكركر أي‏:‏ تطحن‏.‏

السّلام على الفسّاق وأرباب المعاصي

20 - ذكر ابن عابدين أنّ السّلام على الفاسق المجاهر بفسقه مكروه وإلاّ فلا، ومثل الفاسق في هذا لاعب القمار وشارب الخمر مطيّر الحمام والمغنّي والمغتاب حال تلبّسهم بذلك، نقل عن فصول العلّاميّ أنّه لا يسلّم، ويسلّم على قوم في معصية وعلى من يلعب بالشّطرنج ناوياً أن يشغلهم عمّا هم فيه عند أبي حنيفة، وكره عندهما تحقيراً لهما‏.‏

وذكر المالكيّة أنّ ابتداء السّلام على أهل الأهواء مكروه، كابتدائه على اليهود والنّصارى‏.‏ وذكر النّوويّ في الرّوضة وجهين في استحباب السّلام على الفسّاق وفي وجوب الرّدّ على المجنون والسّكران إذا سلّما‏.‏

وذكر في الأذكار أنّ المبتدع ومن اقترف ذنباً عظيماً ولم يتب منه ينبغي أن لا يسلّم عليهم ولا يردّ عليهم السّلام‏.‏ محتجّاً بما رواه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما من قصّة «كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلّف عن غزوة تبوك هو ورفيقان له فقال‏:‏ ونهى رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا‏.‏ قال‏:‏ وكنت آتي رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - فأسلّم عليه فأقول‏:‏ هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا‏؟‏»‏.‏ وبما رواه البخاريّ أيضاً في الأدب المفرد عن عبد اللّه بن عمرو قال‏:‏ ‏"‏ لا تسلّموا على شرّاب الخمر ‏"‏‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ فإن اضطرّ إلى السّلام على الظّلمة، بأن دخل عليهم وخاف ترتّب مفسدة في دينه أو دنياه أو غيرهما إن لم يسلّم سلّم عليهم، وذكر عن أبي بكر بن العربيّ أنّه يسلّم وينوي أنّ السّلام اسم من أسماء اللّه تعالى، فيكون المعنى اللّه عليكم رقيب‏.‏

وذكر ابن مفلح في الآداب الشّرعيّة أنّه‏:‏ يكره لكلّ مسلم مكلّف أن يسلّم على من يلعب النّرد أو الشّطرنج، وكذا مجالسته لإظهاره المعصية، وقال أحمد فيمن يلعب بالشّطرنج ما هو أهل أن يسلّم عليه، كما لا يسلّم على المتلبّسين بالمعاصي، ويردّ عليهم إن سلّموا إلاّ أن يغلب على ظنّه انزجارهم بترك الرّدّ‏.‏

قال أبو داود‏:‏ قلت لأحمد‏:‏ أمرّ بالقوم يتقاذفون أسلّم عليهم‏؟‏ قال هؤلاء قوم سفهاء، والسّلام اسم من أسماء اللّه تعالى، قلت لأحمد أسلّم على المخنّث‏؟‏ قال لا أدري السّلام اسم من أسماء اللّه عزّ جلّ‏.‏

وأمّا ردّ السّلام على الفاسق أو المبتدع فلا يجب زجراً لهما كما في روح المعاني‏.‏

السّلام على أهل الذّمّة وغيرهم من الكفّار

21 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ السّلام على أهل الذّمّة مكروه لما فيه من تعظيمهم، ولا بأس أن يسلّم على الذّمّيّ إن كانت له عنده حاجة، لأنّ السّلام حينئذ لأجل الحاجة لا لتعظيمه، ويجوز أن يقول‏:‏ السّلام على من اتّبع الهدى‏.‏

وذهب المالكيّة أيضاً إلى أنّ ابتداء اليهود والنّصارى وسائر فرق الضّلال بالسّلام مكروه، لأنّ السّلام تحيّة والكافر ليس من أهلها‏.‏

ويحرم عند الشّافعيّة بداءة الذّمّيّ بالسّلام، وله أن يحيّيه بغير السّلام بأن يقول‏:‏ هداك اللّه أو أنعم اللّه صباحك إن كانت له عنده حاجة، وإلاّ فلا يبتدئه بشيء من الإكرام أصلاً، لأنّ ذلك بسط له وإيناس وإظهار ودّ‏.‏ وقد قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ‏}‏‏.‏

وقال النّوويّ في الأذكار‏:‏ اختلف أصحابنا في أهل الذّمّة، فقطع الأكثرون بأنّه لا يجوز ابتداؤهم بالسّلام، وقال آخرون ليس هو بحرام بل هو مكروه‏.‏

وحكى الماورديّ وجهاً لبعض أصحابنا، أنّه يجوز ابتداؤه بالسّلام، ولكن يقتصر المسلّم على قوله‏:‏ السّلام عليك ولا يذكره بلفظ الجمع، إلاّ أنّ النّوويّ وصف هذا الوجه بأنّه شاذّ‏.‏ وبداءة أهل الذّمّة بالسّلام لا تجوز أيضاً عند الحنابلة، كما لا يجوز أن نحيّيهم بتحيّة أخرى غير السّلام‏.‏ قال أبو داود‏:‏ قلت لأبي عبد اللّه‏:‏ تكره أن يقول الرّجل للذّمّيّ كيف أصبحت‏؟‏ أو كيف حالك‏؟‏ أو كيف أنت‏؟‏ أو نحو هذا‏؟‏ قال‏:‏ نعم هذا عندي أكثر من السّلام‏.‏

وذكر الحنفيّة أنّه لو قال للذّمّيّ‏:‏ أطال اللّه بقاءك جاز إن نوى أنّه يطيله ليسلم أو ليؤدّي الجزية لأنّه دعاء بالإسلام وإلاّ فلا يجوز‏.‏

ودليل كراهة البداءة بالسّلام قول رسول - صلى الله عليه وسلم - «لا تبدءوا اليهود ولا النّصارى بالسّلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطرّوه إلى أضيقه»‏.‏

والاستقالة أن يقول له‏:‏ ردّ سلامي الّذي سلّمته عليك، لأنّي لو علمت أنّك كافر ما سلّمت عليك‏.‏

ويستحبّ له عند الشّافعيّة والحنابلة إن سلّم على من يظنّه مسلماً فبان ذمّيّاً أن يستقيله بأن يقول له‏:‏ ردّ سلامي الّذي سلّمته عليك، لما روي عن ابن عمر ‏"‏ أنّه مرّ على رجل فسلّم عليه فقيل‏:‏ إنّه كافر فقال‏:‏ ردّ عليّ ما سلّمت عليك فردّ عليه، فقال أكثر اللّه مالك وولدك، ثمّ التفت إلى أصحابه فقال‏:‏ أكثر للجزية ‏"‏‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ لا يستقيله‏.‏

وإذا كتب إلى الذّمّيّ كتاباً اقتصر على قوله فيه‏:‏ السّلام على من اتّبع الهدى، اقتداءً برسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - في اقتصاره على ذلك حين كتب إلى هرقل ملك الرّوم‏.‏ وإذا مرّ واحد على جماعة فيهم مسلمون ولو واحداً وكفّار فالسّنّة أن يسلّم عليهم ويقصد المسلمين أو المسلم‏.‏ لما روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما‏.‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرّ على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود فسلّم عليهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم»‏.‏

ردّ السّلام على أهل الذّمّة

22 - وأمّا ردّ السّلام على أهل الذّمّة فلا بأس به عند الحنفيّة، وهو جائز أيضاً عند المالكيّة ولا يجب إلاّ إذا تحقّق المسلم من لفظ السّلام من الذّمّيّ، وهو واجب عند الشّافعيّة والحنابلة‏.‏

ويقتصر في الرّدّ على قوله‏:‏ وعليكم، بالواو والجمع، أو وعليك بالواو دون الجمع عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، لكثرة الأخبار في ذلك‏.‏

فمنها ما روي عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - «إذا سلّم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم»‏.‏

ومنها ما روي عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنّ رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ «إذا سلّم عليكم اليهود فإنّما يقول أحدهم‏:‏ السّام عليكم فقل وعليك»‏.‏

وعند المالكيّة يقول في الرّدّ‏:‏ عليك، بغير واو بالإفراد أو الجمع‏.‏ لما ورد عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - «إنّ اليهود إذا سلّموا عليكم يقول أحدهم السّام عليكم فقل عليك» وفي رواية أخرى له قال‏:‏ «عليكم»‏.‏ بالجمع وبغير واو‏.‏

ونقل النّفراويّ عن الأجهوريّ قوله‏:‏ إن تحقّق المسلم أنّ الذّمّيّ نطق بالسّلام بفتح السّين، فالظّاهر أنّه يجب الرّدّ عليه، لاحتمال أن يقصد به الدّعاء‏.‏

من يبدأ بالسّلام

23 - يسلّم الرّاكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير، والصّغير على الكبير‏.‏ لما ورد في الصّحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم «يسلّم الرّاكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير» وفي رواية للبخاريّ زيادة «الصّغير على الكبير» وهذا المذكور هو السّنّة، فلو خالفوا فسلّم الماشي على الرّاكب، أو الجالس عليهما لم يكره، وعلى مقتضى هذا لا يكره ابتداء الكثيرين بالسّلام على القليل، والكبير على الصّغير، ويكون هذا تركاً لما يستحقّه من سلام غيره عليه، وهذا فيما إذا تلاقى الاثنان في طريق، أمّا إذا ورد على قعود أو قاعد، فإنّ الوارد يبدأ بالسّلام على كلّ حال، سواء كان صغيراً أو كان كبيراً، قليلاً أو كثيراً‏.‏

وإذا لقي رجل جماعةً فأراد أن يخصّ طائفةً منهم بالسّلام كره، لأنّ القصد من السّلام المؤانسة والألفة، وفي تخصيص البعض إيحاش للباقين، وربّما صار سبباً للعداوة، وإذا مشى في السّوق أو الشّوارع المطروقة كثيراً ونحو ذلك ممّا يكثر فيه المتلاقون، فقد ذكر الماورديّ أنّ السّلام هنا إنّما يكون لبعض النّاس دون بعض‏.‏ قال‏:‏ لأنّه لو سلّم على كلّ من لقي لتشاغل به عن كلّ منهم، ولخرج به عن العرف‏.‏

استحباب السّلام عند دخول بيت أو مسجد وإن لم يكن فيه أحد

24 - يستحبّ إذا دخل بيته أن يسلّم وإن لم يكن فيه أحد وليقل‏:‏ السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين‏.‏ وكذا إذا دخل مسجداً، أو بيتاً لغيره فيه أحد يستحبّ أن يسلّم وأن يقول‏:‏ السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، السّلام عليكم أهل البيت ورحمة اللّه وبركاته‏.‏

السّلام عند مفارقة المجلس

25 - إذا كان جالسًا مع قوم ثمّ قام ليفارقهم، فالسّنّة أن يسلّم عليهم، لما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا انتهى أحدكم إلى مجلس فليسلّم، فإن بدا له أن يجلس فليجلس، ثمّ إذا قام فليسلّم، فليست الأولى بأحقّ من الآخرة»‏.‏

إلقاء السّلام على من يظنّ أنّه لا يردّ السّلام

26 - قال النّوويّ‏:‏ إذا مرّ على واحد أو أكثر وغلب على ظنّه أنّه إذا سلّم لا يردّ عليه إمّا لتكبّر الممرور عليه، وإمّا لإهماله المارّ أو السّلام، وإمّا لغير ذلك فينبغي أن يسلّم ولا يتركه لهذا الظّنّ، فإنّ السّلام مأمور به، والّذي أمر به المارّ أن يسلّم ولم يؤمر بأن يحصّل الرّدّ، مع أنّ الممرور عليه قد يخطئ الظّنّ فيه ويردّ‏.‏

ثمّ قال النّوويّ‏:‏ ويستحبّ لمن سلّم على إنسان وأسمعه سلامه وتوجّه عليه الرّدّ بشروطه فلم يردّ، أن يحلّله من ذلك فيقول‏:‏ أبرأته من حقّي في ردّ السّلام أو جعلته في حلّ منه ونحو ذلك، ويلفظ بهذا، فإنّه يسقط به حقّ هذا الآدميّ‏.‏

ويستحبّ لمن سلّم على إنسان فلم يردّ عليه أن يقول له بعبارة لطيفة‏:‏ ردّ السّلام واجب، فينبغي لك أن تردّ عليّ ليسقط عنك فرض الرّدّ‏.‏

السّلام عند زيارة الموتى

أ - السّلام عند زيارة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه‏:‏

27 - يندب لكلّ حاجّ زيارة النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة فإنّ زيارته - صلى الله عليه وسلم - من أعظم القربات، وأهمّها وأربح المساعي وأفضل الطّلبات، وانظر بحث ‏(‏زيارة‏)‏‏.‏

وإذا أتى الزّائر المسجد صلّى تحيّة المسجد ثمّ أتى القبر الكريم، فاستقبله واستدبر القبلة على نحو أربعة أذرع من جدار القبر وسلّم، ويستحبّ أن يقول‏:‏ ‏"‏ السّلام عليك يا رسول اللّه، السّلام عليك يا خيرة اللّه من خلقه، السّلام عليك يا حبيب اللّه، السّلام عليكم يا سيّد المرسلين، وخاتم النّبيّين، السّلام عليك وعلى آلك وأصحابك وأهل بيتك وعلى النّبيّين وسائر الصّالحين، أشهد أنّك بلّغت الرّسالة وأدّيت الأمانة، ونصحت الأمّة، فجزاك اللّه عنّا أفضل ما جزى رسولاً عن أمّته ‏"‏ ولا يرفع صوته بذلك‏.‏

وإن كان قد أوصاه أحد بالسّلام على رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - قال‏:‏ ‏"‏ السّلام عليك يا رسول اللّه من فلان بن فلان ‏"‏‏.‏

ثمّ يتأخّر قدر ذراع إلى جهة يمينه فيسلّم على أبي بكر رضي الله عنه ويقول‏:‏ ‏"‏ السّلام عليك يا خليفة رسول اللّه، السّلام عليك يا صدّيق رسول اللّه، أشهد أنّك جاهدت في اللّه حقّ جهاده، جزاك اللّه عن أمّة محمّد خيراً رضي اللّه عنك وأرضاك وجعل الجنّة متقلّبك ومثواك، ورضي اللّه عن كلّ الصّحابة أجمعين ‏"‏‏.‏

ثمّ يتأخّر ذراعاً للسّلام على عمر رضي الله عنه ويقول‏:‏ ‏"‏ السّلام عليك يا صاحب رسول اللّه، السّلام عليك يا أمير المؤمنين عمر الفاروق، أشهد أنّك جاهدت في اللّه حقّ جهاده، جزاك اللّه عن أمّة محمّد خيراً، رضي اللّه عنك وأرضاك وجعل الجنّة متقلّبك ومثواك، ورضي اللّه عن كلّ الصّحابة أجمعين ‏"‏ ثمّ يرجع إلى موقفه الأوّل قبالة وجه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم‏.‏

السّلام عند زيارة القبور

28 - قال القرطبيّ‏:‏ زيارة القبور من أعظم الدّواء للقلب القاسي، لأنّها تذكّر الموت والآخرة‏.‏ وذلك يحمل على قِصَر الأمل والزّهد في الدّنيا، ترك الرّغبة فيها‏.‏

وتذكر كتب السّنّة أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - كان يزور القبور ويسلّم على ساكنيها، ويعلّم أصحابه ذلك‏.‏

فعن بريدة - رضي الله عنه - قال‏:‏ «كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يعلّمهم إذا خرجوا إلى المقابر، فكان قائلهم يقول‏:‏ السّلام عليكم أهل الدّيار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء اللّه بكم للاحقون، وأسأل اللّه لنا ولكم العافية»‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ «كان رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - كلّما كان ليلتها من رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - يخرج من آخر اللّيل إلى البقيع فيقول‏:‏ السّلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجّلون، وإنّا إن شاء اللّه بكم لاحقون، اللّهمّ اغفر لأهل بقيع الغرقد»‏.‏

قول‏:‏ عليه السلام عند ذكر نبيّ أو رجل من الصّالحين

29 - السّلام على من ذكر في الغيبة مقصور على الأنبياء والملائكة عند ذكرهم، مثل قولك نوح عليه السلام أو إبراهيم عليه السلام أو جبريل عليه السلام، وذلك تأسّياً بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ‏}‏ نعم يجوز السّلام على آلهم وأصحابهم تبعاً لهم دون استقلال‏.‏

30 - وأمّا السّلام على غيرهم من المؤمنين الصّالحين استقلالاً فمنعه الشّيخ أبو محمّد الجوينيّ من الشّافعيّة، وقال‏:‏ بأنّ السّلام هو في معنى الصّلاة فلا يستعمل في الغائب، فلا يفرد به غير الأنبياء، فلا يقال أبو بكر عليه السلام ولا عليّ عليه السلام، وسواء في هذا الأحياء والأموات وأمّا الحاضر فيخاطب به فيقال‏:‏ سلام عليك أو سلام عليكم أو السّلام عليك أو عليكم‏.‏

وفرّق آخرون بينه وبين الصّلاة بأنّ السّلام يشرع في حقّ كلّ مؤمن من حيّ وميّت وغائب وحاضر، وهو تحيّة أهل الإسلام بخلاف الصّلاة، فإنّها من حقوق الرّسول - صلى الله عليه وسلم وآله - ولهذا يقول المصلّي‏:‏ السّلام علينا وعلى عباد اللّه الصّالحين، ولا يقول الصّلاة علينا‏.‏

السّلام الّذي يخرج به من الصّلاة

31 - الخروج من الصّلاة لا يكون إلاّ بالسّلام عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة، لأنّ السّلام ركن من أركان الصّلاة عندهم - لقوله - صلى الله عليه وسلم - «مفتاح الصّلاة الطّهور وتحريمها التّكبير، وتحليلها التّسليم»‏.‏

أمّا الحنفيّة فالسّلام عندهم ليس ركناً بل هو واجب، لأنّ الرّسول - صلى الله عليه وسلم - لم يعلّمه المسيء صلاته، ولو كان فرضاً لأمر به، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‏.‏ فالخروج من الصّلاة عندهم يكون بالسّلام، ويكون بغيره من كلّ عمل أو قول مناف للصّلاة، وقد تمّت صلاته، ولا يحتاج إلى سلام‏.‏ وتفصيله في ‏(‏تسليم‏)‏‏.‏

هذا والسّلام الّذي يخرج به من صلاة الجنازة يكون بعد آخر تكبيرة‏.‏

وتفصيل ذلك يذكره الفقهاء في ‏(‏صلاة الجنازة‏)‏